إذا كانت فكرة التخطيط قد ظهرت في المجتمعات القديمة ، وتبلورت هذه الفكرة كذلك في كتابات الفلاسفة والمفكرين وعلماء الاجتماع ( أفلاطون، وإنجاز، وماركس، وابن خلدون، وموريس دوب....)، فإن التخطيط الحقيقي المبني على العلمية والدراسة الإحصائية التجريبية لم يظهر إلا في بدايات القرن العشرين (1920م) مع المخططات الخماسية التي كان ينهجها الاتحاد السوڤياتي، وبعد ذلك أخذت الدول الغربية تستفيد من هذه المخططات الشاملة التي بدأت توظفها في المجال الاقتصادي والإداري والتربوي. بيد أن أغلب الدول العربية لم تأخذ بسياسة المخططات والتخطيط إلا في الستينيات من القرن العشرين.
وتعد عملية التخطيط التربوي من أصعب الدراسات الحديثة ، نظراً لما تواجهه هذه العملية من تحديات عديدة ولا سيما ما يتم إجراؤه منها في ميدان صعب عصي على التقدير العلمي الدقيق كميدان الظواهر الإنسانية، والتي من بينها الظواهر التربوية التي تعد من اعرق الظواهر الإنسانية تأبيا على وسائل البحث العلمي وأساليبه، حيث تمس أعمق ما لدى الإنسان، نعني ثقافته وتكوينه الفكري. ومن هنا كان لابد لمن يقبل على التخطيط التربوي أن يكون على معرفة وإطلاع واسعين بعمليات التخطيط وأسسه ومبرراته ومتطلباته، كما ينبغي له الوقوف في وجه المنعطفات والتحديات التي قد تواجهه خلال عمليات التطبيق.
ومن أهم التحديات التي تواجه عمليات التخطيط التربوي التحديات الناشئة عن تداخل مشكلات التربية وما يقترح لها من حلول، إن تداخل مشكلات التربية تستدعي تقديم حلول متضامنة مترابطة، كما يفرض وضع خطة شاملة تطوق الأمور من جميع جهاتها. إذ يجب الأخذ بعين الاعتبار جميع مشكلات التربية وتقديم جميع الحلول الممكنة.لكن من الصعب جدا تحقيق التوازي التام بين الحلول المختلفة المقدمة لجميع ميادين التعليم. إذ من المستحيل تحقيق تطورا واسعا ومنسجما متوازية أجزاؤه جنبا إلى جنب في جميع مراحل التعليم وفروعه ووسائله المختلفة.
إذ لابد في هذا من تقديم الأولويات وهذا ما يضع التخطيط أمام صعوبات لابد من التغلب عليها فما هي إذن الصعوبات التي يواجهها التخطيط التربوي ؟وهل تقف هذه الصعوبات عقبة دون قيامه أم أنها صعوبات لابد أن يواجهها كل بحث ناشئ؟ وإذا كان الأمر أمر صعوبات يتغلب عليها البحث الدائب فما هي الحلول التي تساعد على تذليلها ؟ ما هي الأسس والمعايير التي نعتمد عليها في تخيير الأولويات السليمة لكل خطة ناجحة ؟ وما هي انعكاسات ذلك على التنمية بنوعيها الاقتصادية والتربوية ؟
I. تعريف التخطيط
1- التخطيط لغة واصطلاحا
أ- التخطيط لغة :
يقدم ابن منظور في" لسان العرب" مجموعة من التعاريف اللغوية لكلمة التخطيط المشتقة من فعل خط وخطط الذي يحيل على مجموعة من الدوال المعجمية كالخط الذي هو عبارة عن الطريقة المستطيلة في الشيء، والجمع خطوط. والخط: الطريق. والخط: الكتابة ونحوها مما يخط. وخط الشيء يخطه خطا: كتبه بقلم أو غيره. والتخطيط: التسطير. …
ü ويتبين لنا من خلال هذه الدلالات الاشتقاقية أن التخطيط عبارة عن خطة مرسومة ومحددة بدقة وطريقة مسطرة كتابة وخطا.
ü أما كلمة Planification الأجنبية، فتدل على التصميم والتخطيط، وهي مشتقة من كلمة Planifier التي تعني بدورها خطط وصمم.
ب- التخطيط اصطلاحا :
· "التخطيط هو تصور للمستقبل المرغوب فيه وللموارد الكافية لبلوغه " كما يلخص ذلك دروكر Drucker,P. فلا ينحصر إذن التخطيط في التوقع والتصور فحسب, فإلى جانب هذا توجد الرغبة في تغيير المستقبل والتأثير فيه. فهو أداة للعمل, يمكن المؤسسة أو الوحدة الإنتاجية من و وسيلة فعالة للعمل اعتمادا على قرارات أنية من خلال استشراف انعكاساتها على المستقبل.
· ويقصد بالتخطيط مجموعة من التدابير المحددة التي تتخذ من اجل تنفيذ هدف معين وهذا يعني أن مفهوم الخطة يحدده عنصران : أولهما وجود هدف أو غاية نريد الوصول إليها. وثانيهما وضع التدابير محددة ووسائل مرسومة من اجل بلوغ هذا الهدف.
فالتخطيط هو الروح العلمية التي قوامها أن ندرس الأشياء لمعرفة قوانينها بغية التأثير في مجراها.
وقولة "اوغست كونت" ((المعرفة فالتنبؤ فالقدرة)) تظل صادقة على ميدان التخطيط.
2- مفهوم التخطيط التربوي
التخطيط التربوي هو عملية التوجيه العقلاني للتعليم في حركته نحو المستقبل. وذلك عن طريق إعداد مجموعة من القرارات القائمة على البحث والدراسة. تمكينا لهذا التعليم من تحقيق الأهداف المرجوة منه بأنجع الوسائل وأكثرها فاعلية مع استثمار أمثل للوقت.
II . أنواع التخطيط
اختلفت تصنيفات المهتمين بالتخطيط حول أنواعه وهذا الاختلاف يرجع إلى اقتران عملية التخطيط بمعطيات أخري تختلف في مجالاتها وبالتالي تنتج لنا أنواعا مختلفة من التخطيط :
يمكن أن نميز بين نوعين من التخطيط الأول مبرمج وحتمي programmé et déterministe أثناء التنفيذ , والتاني تشاركي يتميز بالمرونة.
وبذلك فان التخطيط يتجاذبه قطبان متعارضان ومتكاملان في نفس الوقت , قطب يستشرف المستقبل وقائم على التوقعات وهو قطب البرمجة ثم قطب التلاؤم مع الواقع القائم على قيادة المشاريع وتوجه خطواتها وتسعى المؤسسة إلى أن توافق بين هذين القطبين وذلك لتحقيق التوازن وضمان استمراريتها في الوجود.
جدول يعرض لخصائص كل من التخطيط المبرمج والتخطيط ألتشاركي
التخطيط المبرمج
|
التخطيط ألتشاركي
|
-يحدد الحلول للمشاكل المطروحة
-يضع المخطط كقاعدة أساسية للعمل
- يهتم بتطوير القدرة على التحكم في مسار العمليات وفق المخطط
- يولى أهمية قصوى للمعلومات الدقيقة التي تسمح بالسير وفق التوقعات
- تعطى الأهمية لذوي الخبرة في التخطيط
- الاستفادة من التجربة السابقة في تحسين تدبير الوضعيات الحالية
- من احتمال تأثير الطوارئ
|
- يهتم بضبط المشكلات المطروحة
- يضع المشاركة الجماعية كأولوية
- المشكلات المطروحة فرصة لتعميق المشاورات والاستفادة الجماعية
- انتقاء المعلومات التي تحفز على بناء تصور جماعي لخطة العمل
- خلق قنوات التواصل الأفقي بين مختلف الفاعلين
- تطوير آليات العمل والبحث الدؤوب
- عدم التقييد بتقليد النماذج السابقة رغم أهميتها تم عدم تضخيم تأثيرات الطوارئ
|
التخطيط حسب المراحل
يمكن التخطيط لتنفيذ المشاريع حسب مراحل مختلفة ومتداخلة إذ يتم التخطيط على المدى البعيد (الاستراتيجي) أو على المدى القريب (الإجرائي) وفي هذه الحالة يجب على المسيران يخرق بين تنسيق العمليات والإجراءات الخاصة بالتخطيط الإجرائي وبين السيرورات والمراحل التي تخص البرمجة البعيدة الأمد.
وتختلف أفاق التخطيط من حيث التصورات والأدوات والوسائل التي تحتاجها فإذا كان التخطيط الاستراتيجي يستند إلى نتائج دراسات معمقة وتحليل كيفي ورصد لبعض المعطيات الدالة فان التخطيط الإجرائي يحتاج إلى معطيات إحصائية ورقمية دقيقة ويمكن القول أن التخطيط بنوعيه يحتاج إلى تضافر جهود العديد من الفاعلين أو المتدخلين ويستحسن البدء في التخطيط بالمدى البعيد فالمتوسط ثم القريب إلا انه لا يجب الفصل بينهما فمثلا العلاقة بين اقتراح التدابير العملية من جهة والأهداف الإستراتيجية من جهة ثانية يجب أن تتميز بالوضوح والدقة المنهجية فليس التخطيط غاية في حد ذاته بل هو طريقة للبحث وأداة لتنمية التفكير وحل المشكلات من منظور تشاركي.
وفيما يلي جدول يوضح خصائص القرارات الإستراتيجية والإجرائي
القرارات الإستراتيجية
|
القرارات الإجرائية
|
· يكون مدى تأثيرها على المؤسسة واسعا
· تحتاج إلى وقت طويل أثناء الإعداد أو التنفيذ
· يصعب التراجع عنها دون تكاليف باهظة .
· تتعدد الأبعاد المرتبطة بها (البيئة المناخ الاجتماعي البعد السياسي الاقتصادي.. (
· أهمية العامل الزمني متغير
· الأهداف عامة وغامضة شيئا ما
· تبقى من اختصاص الإدارة أو المسيرين
|
· يكون مدى تأثيرها على المؤسسة محدودا
· تحتاج إلى وقت محدود سواء في الأعداد أو التطبيق
· يسهل التراجع عنها دون تكاليف باهظة
· الأبعاد المرتبطة بها تبقى محدودة
· يحض عامل الزمن بأهمية قصوى
· تبقي الأهداف المسطرة واضحة ودقيقة
· تتخذ على كافة المستويات
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق