الأربعاء، 25 أبريل 2018

ماذا نقصد بالديداكتيك؟


(كلمة didactique اصطلاح قديم جديد ، قديم حيث استخدم في الأدبيات التربوية منذ بداية القرن 17 ، وهو جديد بالنظر إلى الدلالات التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن ، وفيما سيأتي نحاول تتبع التطور التاريخي لهذا المصطلح بداية من الاشتقاق اللغوي وصولا إلى الاستخدام الاصطلاحي .
يقول حنفي بن عيسى، كلمة تعليمية في اللغة العربية مصدر صناعي لكلمة تعليم ، وهذه الأخيرة مشتقة من علّم أي وضع علامة أو سمة من السمات للدلالة على الشيء دون إحضاره.

أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة (Didactique)  صفة اشتقت من الأصل  اليوناني (Didaktikos)

وتعني فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا، و(Didaskein) تعني التعليم ، وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرةسنة 1613 من قبل كل من كشوف هيلفج (KHelwig) وراتيش و(Ratich w.) في بحثهم حول نشاطات راتيش التعليمية، وقد استخدموا هذا المصطلح كمرادف لفن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية و الخبرات، كما استخدمه كامنيسكي (Kamensky) سنة 1657 في كتابه "الديداكتيكا الكبرى" ، حيث يقول أنه يعرفنا بالفن العام للتعليم في جميع مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنها ليست فن فقط التعليم بل للتربية أيضا.

واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلى أوائل القرن 19 حيث ظهر الفيلسوف الألماني فردريك هيرببارت(FHerbert 1770-1841)،الذي وضع الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم ، تستهدف تربية الفرد ، فهي نظرية تخص النشاطات المتعلقة بالتعليم فقط ، أي كل ما يقوم به المعلم من نشاط ، فاهتم بذلك الهربرتيون بصورة أساسية بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاطات المعلم في المدرسة.
                        
وفي القرن 19 وبداية القرن 20 ظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي(JDewey 1952-1959)، وقد أكد هذا التيار على أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية واعتبروا بهذا التعليمية نظرية للتعلم  لا للتعليم  (عبد الله  قلي  ص117-118).



من البيداغوجيا الى الديداكتيك







مفهوم البيداغوجية La pédagogie:
تتكون كلمة " بيداغوجيا " في الأصل اليوناني، من حيث الاشتقاق اللغوي، من شقين، هما: Péda وتعني الطفل، وAgôgé وتعني القيادة والسياقة، وكذا التوجيه. وبناء على هذا، كان البيداغوجي Le pédagogue هو الشخص المكلف بمراقبة الأطفال ومرافقتهم في خروجهم للتكوين أو النزهة، والأخذ بيدهم ومصاحبتهم. وقد كان العبيد يقومون بهذه المهمة في العهد اليوناني القديم.
فقد أخذت كلمة "بيداغوجيا" بمعان عدة، من حيث الاصطلاح، حيث اعتبرها إميل دوركهايم E. Durkheim: نظرية تطبيقية للتربية، تستعير مفاهيمها من علم النفس وعلم الاجتماع. واعتبرها أنطوان ماكرينكو A. Makarenko(العالم التربوي السوفياتي): العلم الأكثر جدلية، يرمي إلى هدف عملي. وذهب روني أوبير R. Hubert، إلى أنها ليست علما ولا تقنية ولا فلسفة ولا فنا، بل هي هذا كله، منظم وفق تمفصلات منطقية.
والملاحظ أن هذه التعاريف، وكثير غيرها، تقيم دليلا قويا على تعقد " البيداغوجيا " وصعوبة ضبط مفهومها، مما يدفع دائما إلى الاعتقاد أن تلك التعاريف وغيرها، ليست في واقع الأمر سوى وجهات نظر في تحديد مفهوم " البيداغوجيا ".
لذا، من الصعب تعريف " البيداغوجيا " تعريفا جامعا ومانعا، بسبب تعدد واختلاف دلالاتها الاصطلاحية من جهة، وبسبب تشابكها وتداخلها مع مفاهيم وحقول معرفية أخرى مجاورة لها من جهة أخرى. ولعل هذا ما يبرر سعي كل من غاستون ميالاري G. Mialaretوروبير لافون R. Lafon، إلى استعمال قاموس لغوي، يحاول أن يغطي ميادين متعددة متداخلة فيما بينها تداخلا شديدا. وهذا ليس بغريب، ما دامت علوم التربية لا تزال قائمتها مفتوحة لاستقبال علوم أخرى. ولكن الفعل والممارسة لا يستطيعان انتظار استكمال القواميس واستقراء المعاجم. ولهذا الاعتبار، نأخذ بوجهة نظر التي تميز في لفظ " بيداغوجيا " بين استعمالين، يتكاملان فيما بينهما بشكل كبير، وهما:
* إنها حقل معرفي، قوامه التفكير الفلسفي والسيكولوجي، في غايات وتوجهات الأفعال والأنشطة المطلوب ممارستها في وضعية التربية والتعليم، على الطفل و الراشد.
* إنها نشاط عملي، يتكون من مجموع الممارسات والأفعال التي ينجزها كل من المدرس والمتعلمين داخل الفصل.
هذان الاستعمالان مفيدان في التمييز بين ما هو نظري في البيداغوجيا، وما هو ممارسة وتطبيق داخل حقلها.
مفهوم الديداكتيك La didactique:
تنحدر كلمة ديداكتيك، من حيث الاشتقاق اللغوي، من أصل يوناني didactikos أو didaskein، وتعني حسب قاموس روبير الصغير Le Petit Robert، " درٌّس أو علٌّم " enseigner. ويقصد بها اصطلاحا، كل ما يهدف إلى التثقيف، وإلى ما له علاقة بالتعليم. ولقد عرف محمد الدريج، الديداكتيك في كتابه " تحليل العملية التعليمية "، كما يلي: " هي الدراسة العلمية لطرق التدريس وتقنياته، ولأشكال تنظيم مواقف التعليم التي يخضع لها المتعلم، قصد بلوغ الأهداف المنشودة، سواء على المستوى العقلي المعرفي أو الانفعالي الوجداني أو الحس حركي المهاري. كما تتضمن البحث في المسائل التي يطرحها تعليم مختلف المواد. ومن هنا تأتي تسمية " تربية خاصة " أي خاصة بتعليم المواد الدراسية (الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد) أو " منهجية التدريس "(المطبقة في مراكز تكوين المعلمين والمعلمات)، في مقابل التربية العامة (الديداكتيك العام)، التي تهتم بمختلف القضايا التربوية، بل وبالنظام التربوي برمته مهما كانت المادة الملقنة ".
ورغم ما يكتنف تعريف الديداكتيك من صعوبات فإن معظم الدارسين المهتمين بهذا الحقل، لجئوا إلى التمييز في الديداكتيك، بين نوعين أساسيين يتكاملان فيما بينهما بشكل كبير، وهما:
الديداكتيك العام: يهتم بكل ما هو مشترك وعام في تدريس جميع المواد، أي القواعد والأسس العامة التي يتعين مراعاتها من غير أخذ خصوصيات هذه المادة أو تلك بعين الاعتبار.
الديداكتيك الخاص أو ديداكتيك المواد: يهتم بما يخص تدريس مادة من مواد التكوين أو الدراسة، من حيث الطرائق والوسائل والأساليب الخاصة بها.
لكن هناك تداخل وتمازج بين الاختصاصين، بل لابد من تضافر جهود كل الاختصاصات في علوم التربية بدون استثناء. إن التأمل في أي مادة دراسية، تجرنا إلى اعتبارات نظرية شديدة التنوع: علمية، سيكولوجية، سيكوسوسيولوجية، سوسيولوجية، فلسفية وغيرها. كما تفرض علينا في الوقت ذاته، العناية ببعض الجزئيات والتقنيات الخاصة، وبعض العمليات والوسائل التي يجب التفكير فيها أولا عند تحضير الدروس، ثم عند ممارستها بعد ذلك. فلا بد من تجاوز الانفصال والقطيعة بين النظريات العامة والأساليب العملية التطبيقية. فعلينا كمدرسين، ألا نحاول الوصول إلى أفضل الطرق العملية فحسب، بل نحاول أن نتبين بوضوح، ما بين النتائج التي نتوصل إليها عند ممارسة الفصل الدراسي، وبين النظريات العامة من علاقة جدلية.
الانتقال من البيداغوجية الى الديداكتيك
من الضروري أن نقيم تمييزا واضحا بين البيداغوجيا التجريبية و الديداكتيك. فلقد اعتاد البيداغوجيون أن يستندوا في بناء فرضياتهم على نظريات سيكولوجية، و خاصة النظريات التي تهتم بالنمو العقلي أو الوجداني أو النفسي - الحركي للأطفال. و بذلك ظلت البيداغوجيا وفية، في معظم أبحاثها، لجذورها الاشتقاقية ( طفل = (peidos و تدل على ذلك حتى الشواهد التاريخية التي أتينا على ذكرها سابقا. و إذا كنا قد تحدثنا في نفس السياق عن التفكير الديداكتيكي فقد حرصنا على استعمال لفظة تفكير،متحاشين بذلك، الحديث عن الديداكتيك كعلم
و واضعين في عين اعتبارنا،و لو بطريقة ضمنية، أن كل اقتراح  بيداغوجي، حتى و لو انطلق من تصور سيكولوجي، هو في ذات الوقت  اقتراح ديداكتيكي، و أن العلاقة بينهما هي، بالضبط علاقة الجزء بالكل.
البيداغوجيا التجريبية هي إذن ديداكتيك،  ينقصها جزء مهم، وهو التساؤل الإبستمولوجي حول طبيعة المعرفة، أي محتوى التعلم. إذ لا يكفي تقديم طريقة في التدريس أو في  تنظيم و بناء المقررات… معتمدين في ذلك فقط  على السؤال " كيف يتعلم الشخص ؟ " و لكن لابد من طرح  السؤال المكمل " و ماذا يفرض تعلم المعرفة من أدوات و مناهج و وسائل؟"   بل و لربما امتدت التساؤلات إلى السياق السوسيوثقافي الذي تجري فيه  عملية التعلم ذاتها .
و حتى تصبح الديداكتيك علما، بالمعنى الحقيقي للكلمة كان لا بد  من أن يحاول الباحثون أن يؤسسوا أبحاثهم، ليس فقط على التقليد أو النزعة الاختبارية ، و إنما على مقاربة عقلانية للأسئلة  المطروحة … مقاربة معتمدة على متن من الفرضيات البيداغوجية مقاربات إبستمولوجية و سيكولوجية
و ربما لن يكون ذلك كافيا، لتأسيس هذا العلم الذي يحاول وضع نماذج و طرائق لتدبير النشاط العليمي- التعلمي بل لابد أن ينضاف إلى ذلك كله،  حس تجريبي لفحص الفرضيات و إثبات صلاحية الطرائق و النماذج و التقنيات الموضوعة أو المقترحة. و لكي تكتمل الصورة على هذا النحو، كان لا بد من الانتظار إلى حدود الستينات من القرن العشرين، حتى يصل البحث الديداكتيكي إلى مستوى محترم من النضج العلمي و يتم  الاعتراف به من الناحية المؤسسة الأكاديمية، و ليس في هذا القول أي اقصاء للاعمال العلمية ذات الطابع الديداكتيكي التي قام بها ممهدون من أمثال Meunann و لاي lay منذ نهاية القرن التاسع العشر، أو معاصرون من أمثال تورندايك و غيرهم. و لكن لابد من التأكيد هنا على النزعة  التجريبية المغالية لهذه الأعمال و ما تلاها،و على اقتصارها في بناء الفرضيات الديداكتيكية المختلفة على النماذج و التصورات السيكولوجية  بالدرجة الأولى
les connaissances scientifiques, (1983) cité par Astolfi , la dédactique des sciences, (1989) .6.
روافد الديداكتيك



الرافد الإبستمولوجي :
ينطوي أي نشاط تعلمي على بعدين رئيسيين : البعد الأول يتمثل  في نشاط فاعل له من القدرات و الاستعدادات المختلفة ما يؤهله لإقامة  تفاعل محدد مع أي موضوع خارجي. أما البعد الثاني فيتجلى في وجود  محتوى دراسي منظم و مهيكل و منتقى ليشكل موضوع التعلم المقترح.     
و يحدث التعلم في الوقت الذي يجري فيه تفاعل منهجي بين الطرفين،   المتعلم و المحتوى، في سياق وضعية معينة و تحت إشراف وسيط  médiateur محدد المواصفات. 
و منذ أن برزت الديداكتيك، سواء في منحاها الفلسفي التقليدي1 أو  صيغتها العلمية الحالية، غلب عليها الاهتمام بتحليل العلاقة بين نمط  المعرفة، و أساليب المتعلم في اكتسابها، و فرض عليها هذا الاهتمام توثيق  الصلة بينها و بين بعض التخصصات العلمية الأخرى و على رأسها:  الإبستمولوجيا و السيكولوجيا.
يشرح استولفي Astolfi هذه القضية عندما يؤكد أن : "بروز الديداكتيك بقي مرتبطا بتحليل تفاعلي لمعطيات سيكولوجية و إبستمولوجية، ليتوقف تطور هذا التحليل على الطريقة التي يشغل بها  مفاهيمه التي اقتبس بعضها من مجالات قريبة فخضع لتعديلات ضرورية و تم وضع البعض الآخر في الإطار الجديد للديداكتيك ".
إن ما جعل الديداكتيك ترتبط بالإبتسمولوجيا هو بالذات حاجة  الباحثين في هذا المجال إلى التعرف على البنيات الداخلية للمعارف العلمية و الوسائل الموظفة في إنتاجها و الكيفية التي تتطور وفقها  مفاهيمها و مناهجها. و الحاجة إلى ذلك نابعة من ضرورة وضع و تجريب  نماذج و برامج و طرق تدريس تستند إلى تحليل إبستمولوجي غير قابل  للتجاوز للقيام بالمهام المذكورة .
و ربما كانت المفاهيم الباشلارية من أهم المفاهيم ( هناك أيضا  مفاهيم النظريات التكوينية و المعرفية في مجال السيكولوجيا) التي ألهمت  الديداكتيكين و كمنت وراء العديد من فرضياتهم و نماذجهم التحليلية 
و التجريبية. و الواقع أن المرء لا ينبغي أن يندهش لنفاذ المفاهيم المذكورة و ثرائها المعرفي، لأن صاحبها كان على وعي تام بأنه يبحث في  الإبستمولوجيا و التربية ماثلة بين عينيه.
يقول باشلار في هذا الصدد :
" لقد أثارني على الدوام كون مدرسي العلوم … لا يفهمون بأن  الفهم قد لا يتحقق. فقليل منهم قد تمكن من العيش في سيكولوجيا الخطأ  و الجهل و انعدام التفكير …
(Bachelard . G. Formation de l’esprit scientifique, (1979) ^18.)
لقد كان الرجل واعيا بالارتباط اللازم بين التفكير الديداكتيكي و التحليل الإبتسمولوجي للمعرفة، أكثر من ذلك، كانت نظرية باشلار مدمجه لنوع ما من التفكير السيكولوجي، الرجل الثانية التي يقف عليها البحث الديداكتيكي، فهو لم يتوقف طيلة مشروعه الإبستمولوجي من الترديد أنه بصدد القيام بتحليل نفسي psychanalyse للعلماء، قصد التعرف على مراحل و لحظات بنائهم للمعرفة، سواء تعلق الأمر بلحظات  النجاح أو لحظات الإخفاق، بفترات الخصوبة أو فترات العقم و التوقف،              
و ما يترتب عن ذلك من تعديلات و تصحيحات في المفاهيم و تجاوز  للأخطاء و إعادة النظر في الوسائل و الأدوات و من تم : 
" يكتسي التحليل النفسي كامل مضمونه: ينبغي التعرف على  الماضي الفكري، و الماضي الوجداني، كما هما، أي كماضي و علينا رسم خطوط التقاطع أو التداخل التي تؤدي إلى أفكار علمية بالانطلاق من جذورها الفعلية كما علينا أن نخضع الديناميكية النفسية التي تسري داخلها  للمراقبة "
على هذا النحو، كانت المفاهيم و المبادئ التي أسندت إليها " عقلانيته المطبقة "  Rationalisme appliquéمن أكثر المفاهيم توظيفا  على مستوى البحث الديداكتيكي، و تكفي الإشارة هنا إلى المفاهيم أو المبادئ التالية :
القانون الثلاثي لحالات الفكر العلمي :
وهو قانون يستعرض الحالات التي يمر منها التكوين الفردي للفكر العلمي و عدد هذه الحالات، تتحدد، كما يرى باشلار  في : 
-          الحالة المحسوسة أو الملموسة حيث يستمتع المفكر باللهو  بواسطة صور أولية حول الظاهرة و تعتمد على قاموس فلسفي يمجد الطبيعة في وحدتها و ثراء تنوعها .
-          الحالة –الملموسة- المجردة يلحق المفكر هنا التجربة الفيزيائية بالأشكال الهندسية و تعتمد على فلسفة تبسيطية. يوجد الفكر هنا في وضع مفارق : بقدر ما يكون هناك يقين بالتجريد، بقدر ما يكون التجريد ممثلا بوضوح بواسطة حدس حسي.
-          الحالة المجردة حيث يستقي الفكر العلمي معلومات بشكل إرادي من الواقع الفعلي فيفصلها بقصد عن التجربة الآتية في جو من " النزاع " مع الواقع الأولي الذي يفتقد دوما إلى الصفاء.
مفهوم القطيعة الإبستمولوجية :
مفهوم انتشر بشكل واسع في أوساط العلماء و المفكرين من مختلف المشارب و التخصصات. و يشير، في معناه باختصار إلى أن التطور الذي تعرفه المفاهيم و النظريات العلمية، لا يسير وفق مسار خطى، تكمل فيه النظرية أو المعرفة الحالية سابقتها، بل إن التطور يأخذ معنى أو صيغة قطائع و طفرات كيفية يتغير  فيها السؤال و يعاد النظر فيها، في المعلومات و الأدوات و المناهج و النماذج التحليلية أو التجريبية.  و بذلك يصبح الاكتشاف العلمي، وفقا، لهذه الرؤية، تصحيحا لما شاع من معارف و معلومات سابقة حول ظاهرة معينة أو موضوع محدد : الثقافة العلمية تصحيح يقطع مع الثقافة المشاعة Vulgaire.و غير خفي نوع التأثير الذي مارسه هذا التصور على    البحث الديداكتيكي الذي انبرى يبعث عن أشكال الانقطاع أو الاتصال بين الثقافة المشاعة التي يحملها المتعلم و الثقافة العلمية التي ترغب المدرسة في تكوينها لديه .
الرافد السيكولوجي  :
الاتصال حدث منذ زمن ليس بقريب، فالتعامل تربويا مع المتعلم  في الفكر الديداكتيكي، سبق التعامل مع المعرفة الملقنة على الأقل فيما يخص معظم التجارب البيداغوجية التي اقترحها المفكرون و بعض  الفلاسفة كنماذج ينبغي العمل على منوالها للقيام بمهمة التدريس. 
و لسنا في حاجة هنا للعودة إلى التاريخ لذكر هذا الاتصال الذي  حدث بين السيكولوجيا و الديداكتيك، و خاصة في طورها ما قبل العلمي لدينا على سبيل المثال : اقتراحات روسو و فروبل و ماريا مونتيسوري و ديوي و ماكارينكو … و غيرهم. 
و قبل أن نتطرق على أهم المفاهيم السيكولوجية التي كونت أرضية انطلق منها البحث الديداكتيكي، لا بد من الإشارة إلى أن أسئلة  الديداكتيكي. هي أسئلة تهم مجالا تطبيقيا أي مجال الممارسة التربوية  و لذلك فهو في حاجة إلى تقديم نماذج و أدوات للاشتغال أكثر من حاجته إلى بناء نظريات تفسيرية كبرى. و مبررات لجوءه إلى السيكولوجيا تمليها، على الأقل، ضرورتان :
I-       ضرورة التعرف على الكيفية التي يتعلم بها الفرد و التي يكتسب من خلالها معارف و خبرات و كفايات و مواقف و استراتيجيات …
II-    ضرورة التعرف على الشروط  النمائية  développemental التي تحيط بعملية التعلم و تتحكم في سيرورتها و مجرياتها  المختلفة. بعبارة أخرى، يحتاج الديداكتيكي في عمله، إلى تحليلات و تفاسير مستقاة من نظريات التعلم (سيكولوجيا التعلم  و إلى جانبها يحتاج، أيضا، إلى ما توصلت إليه سيكولوجيا النمو  من نتائج و حقائق تعينه على صياغة فرضايته و تصوراته على مستوى الممارسة التربوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق